مقطع فلسطيني في "المؤشر العربي"

مقطع فلسطيني في "المؤشر العربي"

10 مايو 2018

(زهيرة زقطان)

+ الخط -
واحدةٌ من نتائج "المؤشر العربي"، وهو استطلاع الرأي العام العربي الأشهر، في نسخته السادسة المعلنة أمس، أن الشعوب العربية ترى القضية الفلسطينية قضية جميع العرب. وفيما النسبة العامة لأصحاب هذه القناعة هي 77%، يتقدّمهم الأردنيون بنسبة 90%، ومن يرون القضية فلسطينيةً فقط 15%، فإن الفلسطينيين هم أقل الشعوب العربية اعتناقا لهذه القناعة، فهم الأخيرون بين شعوب إحدى عشرة دولة جرى فيها المسح الضخم الذي أنجزه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ذلك أن 64% منهم يرون القضية الفلسطينية قضية جميع العرب، بينما نسبة التونسيين الذين يقيمون على هذه القناعة 89%، والمصريين 85%، والسعوديين 80%. وهذا كشفٌ مثير، ويحتاج تفسيرُه جهدا في التحليل السوسيولوجي، للوصول إلى ما تعود إليه قلة حماس الفلسطينيين في اعتبار قضيتهم تتعلق بجميع العرب، قياسا لغيرهم من الشعوب العربية الشقيقة. ... هل يعود هذا إلى التباسٍ صار مقيما فيهم لا يباعد بين الحكومات والشعوب؟ أم إنه شعورٌ ما استجدّ لديهم بأن ثمّة أثمانا وجدانيةً وسياسيةً سيجدون أنفسهم مطالبين بسدادها في مقابل السخاء في الحب الوفير الذي تمحضُه الشعوب العربية لفلسطين وأهلها؟ أم يتوطّن في جوانح فلسطينيين ليسوا قليلين بأنهم أقدر على حل مسألتهم مع المحتل الإسرائيلي وحدهم، من دون تدخل عربٍ من هنا أو هناك؟. 

ولكن، إذا كان 77% من العرب يرون، في عامي 2017 و2018، قضية فلسطين ليست قضية الفلسطينيين فقط، فإن نسبة هؤلاء في استطلاع المؤشر العربي الأول في عام 2011 كانت 84%، وأنها ظلت تتناقص في الاستطلاعات التالية إلى 77% ثم 75% قبل ارتفاعها الراهن قليلا. ومن بين مؤشراتٍ يوحي بها هذا الأمر أن القضية الفلسطينية تحافظ على موقعها المتقدّم في الوجدان العربي العام، وإنها من عوامل وحدة الأمة، وإن انشدادا خاصا لدى العرب نحو أرض فلسطين، سيما وأنها محتلة، ولها رمزيةٌ كبرى في الوعي العروبي العام منذ أكثر من قرن. غير أن هذا كله، وغيره، على ما يشتمل عليه من أسباب الصحة والعقلانية، لا يغيّب التناقص المشار إليه هنا، والموضح في الاستطلاع، ما يمكن نسبة أسبابه إلى ثقل الأوضاع المحلية ووطأتها على راهن المواطن العربي، وإلى ما يخصّ الفلسطينيين أنفسهم، حيث لا يبعث حالُهم المعايَن على الرضا، وهذا تدحرج الانقسام المخزي، السياسي والجغرافي، إلى عامه الثاني عشر، تواكبه المكايدات والمناكفات التعيسة، يجعل النظر إلى القضية الفلسطينية غير متعلقٍ فقط بجوهرها الأساس، أي أنها قضية احتلال كيان إحلالي عنصري استعماري شنيع أرض الفلسطينيين العرب، وإنما يلتفت أيضا إلى ركاكة الحالة الفلسطينية نفسها.
وربما يبدّد الحيرة التي قد تثيرها المسألتان المشار إليهما، أي أن الفلسطينيين هم الأقل اقتناعا بأن قضية وطنهم المحتل هي قضية العرب، وتناقص نسبة العرب الذين يعتنقون انتساب القضية إلى كل الأمة عاما بعد عام، أن إسرائيل، في عرف العرب جميعا، هي المهدّد الأول لأمن المنطقة واستقرارها، بنسبة 82% من يؤكدون، و8% يرون ذلك إلى حد ما. وتليها الولايات المتحدة، بنسبة 70%، و14% إلى حد ما. وأن سياسات الدول الكبرى والإقليمية في ما يخص فلسطين هي المعيار الأول الذي يتقدم كل اعتبار للحكم على هذه السياسات وتقييمها. ولافتٌ هنا أن 66% يعتقدون أن السياسات الإيرانية تهدّد أمن المنطقة واستقرارها، وأن 29% يرون سياستها نحو فلسطين سيئة جدا و27% يرونها سيئة.
يمكن الاطمئنان، إذن، إلى أن الوجدان العربي محصّنٌ إلى حد كبير بشأن إسرائيل، ويعتصم برفضها، بل يتزايد اتجاه الرأي العام العربي نحو رفض الاعتراف بها، من 84% في عام 2011 إلى 87% في 2018 و2017. ما يعود، كما أوضحت نتائج المؤشر، إلى الطبيعة الاستعمارية والعنصرية والتوسعية لها. ولكن، هل يمكن الاطمئنان تماما إلى شعور الفلسطينيين الأقل بشأن انتساب قضيتهم إلى أفقها العربي، وانتساب العرب إليها؟
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.