الانتخابات المحلية في بريطانيا: ريشي سوناك يواجه أكبر اختبار للزعامة

الانتخابات المحلية في بريطانيا: ريشي سوناك يواجه أكبر اختبار للزعامة

01 مايو 2023
تشير التوّقعات إلى احتمال خسارة "حزب المحافظين" ما قد يصل إلى ألف مقعد (أسوشييتد برس)
+ الخط -

يستعدّ ملايين البريطانيين في أكثر من 230 منطقة، للإدلاء بأصواتهم يوم الخميس المقبل، حيث تجرى الانتخابات المحلية في ظروف استثنائية بالنسبة للناخبين وللأحزاب، وللحكومة أيضاً.

وتشير التوّقعات إلى احتمال خسارة "حزب المحافظين" ما قد يصل إلى ألف مقعد، واقتناص "حزب العمال" المعارض فرصة المأزق الذي يعيشه الحزب الحاكم للتقدّم ولتعويض الخسارة الفادحة التي مني بها بقيادة الزعيم السابق جيرمي كوربن عام 2019.

وكانت نتائج الانتخابات الفرعية العام الماضي قد أثبتت أن عدم توفّر بديل سياسي معارض لن يكون كافياً بعد الآن بالنسبة إلى الحزب الحاكم ليضمن بقاءه في السلطة، حيث استطاع حزب العمال برغم افتقاره للأرضية السياسية والشعبية الصلبة أن يسترجع منطقة ويكفيلد والتي صوّتت للانسحاب من الاتحاد الأوروبي وانتزعها المحافظون في انتخابات 2019، في حين انتزع الحزب "الديمقراطي الليبرالي" المقعد الذي شغله المحافظون لأكثر من 100 عام في نيفرتون وهونيتون، المنطقتين المحافظتين منذ عشرينات القرن الماضي.

ويأمل "الديمقراطيون الأحرار" أن تعزّز نتائج الانتخابات المحلية في الرابع من مايو/أيار من أدائهم الأخير غير المسبوق في الانتخابات الفرعية للسيطرة على المقاعد في مناطق الطبقة الوسطى الريفية.

وتكتسب الانتخابات هذه أهمية كبيرة في جسّ نبض الرأي العام تحضيراً للانتخابات العامة المقبلة، والمقرّرة بعد سنتين على أبعد تقدير، كما أنها تمثّل فرصة قد تكون ضائعة بالنسبة لرئيس الحكومة ريشي سوناك للصمود حتى موعد الانتخابات العامة وللحفاظ على استقرار الحزب ووحدة صفوفه، إذ إن الظروف الاقتصادية والسياسية العامة والخاصة بحزب المحافظين، لم تسعفه منذ قدومه إلى "داونينغ ستريت" في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، على "استعراض" قدراته القيادية بشكل حقيقي.

"بريكست"

كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عاملاً أساسياً خلال السنوات الماضية في حسم نتائج الأصوات خلال الانتخابات المحلية أو الفرعية، وفي تشكيل ملامح الصورة الأوسع لجغرافيا الولاء لحكومات المحافظين، أو تلك المعارضة لها. إلا أنه بات من الصعب تجاهل الارتفاع اللافت في عدد الأشخاص الذين يعتقدون أنهم كانوا مخطئين في التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث يرى اليوم أكثر من 54 بالمئة ممن صوّتوا لصالح "بريكست" أن قرارهم كان خاطئاً، مقابل 34 بالمئة ما زالوا يحتفظون بالقناعة ذاتها.

وبالتالي لم يعد بديهياً اليوم بالنسبة للمناطق المحافظة تقليدياً، والتي صوّتت لـ"بريكست"، أن تحتفظ بولائها للحزب الحاكم، بالضبط كما بيّنت الانتخابات الفرعية الماضية. يضاف إلى ذلك، الارتباط الوثيق في المخيّلة العامة بين خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وبين أسوأ أزمة اقتصادية تعيشها المملكة المتحدة منذ عقود.

ونشرت صحيفة "ذا إندبندنت" بيانات "صارخة" تشير إلى أن "بريكست" والنقص الهائل في عدد الموظّفين الأوروبيين أدّيا إلى إغلاق أكثر من 4600 فندق ومطعم وحانة خلال العام الحالي فقط، أي ستة أضعاف الإغلاق الذي شهدته السنة الفائتة. كما أن معدّل الشغور الوظيفي بلغ 6.5 بالمئة وفقاً لمكتب الإحصاء الوطني، أي أعلى بنسبة 50 بالمئة مما كان عليه قبل إضافة قبل مغادرة الاتحاد الأوروبي.

وليس "بريكست"، بحسب الخبراء الاقتصاديين والسياسيين، هو العامل الوحيد في نقص الموظّفين الأوروبيين، بل أيضاً سياسات الهجرة التي تبنّتها حكومات المحافظين المتعاقبة بعد "بريكست"، والتي حدّت من حرية حركة العمالة، واليوم تهدّد بوقفها نهائياً بعد طرح مشروع قانون جديد من شأنه اعتقال كل المهاجرين وترحيلهم إلى رواندا أو إرجاعهم إلى بلدانهم الأصلية إن كانت "آمنة".

أخبار
التحديثات الحية

الأوضاع الاقتصادية والإضرابات

ولا بدّ للأوضاع الكارثية التي يعيشها ملايين الناخبين أن ترخي بظلالها على نتائج الانتخابات المحلية، حيث شهدت أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً غير مسبوق، إضافة إلى فواتير الطاقة والضرائب.

ومع أن الأزمة الاقتصادية كانت عالمية بشكل أو بآخر بعد جائحة كوفيد-10، وبعد الغزو الروسي على أوكرانيا، إلا أنها كانت الأقسى على بريطانيا بالمقارنة مع جيرانها الأوروبيين، حيث تجاوز التضخّم عتبة الـ13 بالمئة وارتفع مؤشّر أسعار المستهلك إلى 10.1 بالمئة.

وتشير الاستطلاعات إلى أن أكثر من نصف الناخبين البريطانيين يعتقد أن "حزب المحافظين" يتحمّل وحده مسؤولية أزمة غلاء المعيشة، وأن الحكومة الحالية متّهمة بـ"حماية الأثرياء"، بينما لا تتعدّى نسبة الناخبين ممن يحمّلون المسؤولية للقضايا الدولية كالغزو الروسي على أوكرانيا الـ37 بالمئة.

استطلاع آخر يشير إلى أن الأداء الاقتصادي لحكومات المحافظين المتعاقبة دفع 29 بالمئة من الناخبين إلى منح ثقتهم لحزب العمّال المعارض في "إدارة اقتصادنا"، مقابل 19 بالمئة من الناخبين المؤيّدين للإدارة الاقتصادية للحزب المحافظ.

من جهة أخرى، يعيش الحزب الحاكم ضغوطاً غير مسبوقة في ملف الخدمات العامة، لاسيما القطاعات الحيوية، كقطاع النقل العام وقطاع الصحة، حيث ثمة مؤشرات حقيقية إلى أن الحزب يخاطر بفقدان مقاعده في المناطق المحافظة تاريخياً وتقليدياً، والتي يطلق عليها اسم "الجدار الأزرق"، بسبب الأزمة التي تعيشها خدمة الصحة الوطنية والإضرابات المتلاحقة التي ينظّمها الممرّضون والمسعفون، وهي الأكثر اتّساعاً وتأثيراً منذ تأسيس الخدمة قبل أكثر من 100 عام.

وكان سوناك قد تعهّد مع وصوله إلى الحكم بتخفيض قوائم الانتظار التي أثّرت على ملايين المرضى المحتاجين إلى رعاية عاجلة، إلا أنه لم يف بتعهّداته، كما أنه رفض الاستجابة إلى مطالب الكلية الملكية للتمريض برفع الأجور. وفي وقت سابق من هذا العام، أكّدت شركة استطلاعات الرأي "أوبينيوم" أن الأولوية التي عبّر عنها عموم الناخبين البريطانيين كانت خفض قوائم الانتظار التابعة لهيئة الصحة الوطنية، بينما وجدوا أنه من الجيد "خفض الديون الوطنية"، وهو التعهّد الثاني الذي أطلقه سوناك في خطابه الأول.

في حين أنهم لم يجدوا في تعهّده "وقف عبور القوارب الصغيرة" أي أولوية بالنسبة إليهم. وإلى جانب ما يمثله هذا الأمر من خطر على شعبية المحافظين في الانتخابات المحلية المقررة بعد أيام، ولاحقاً في الانتخابات العامة، يبرهن أيضاً على الهوّة العميقة التي تفصل الحكومات المتعاقبة عن تطلّعات الشارع البريطاني وعن أولويات الناخبين وهمومهم.

وفي حين استخدمت الحكومة البريطانية ملف الهجرة في السنوات التي أعقبت "بريكست"، لتشغل الناخبين عن الأزمات الحقيقية وعن إخفاقها في العثور على حلول مستدامة، يبدو أنها ستعجز اليوم عن "استدرار" تعاطف الناخبين "المحافظين" عبر تلويحها بسياسة أكثر تشدّداً وتطرّفاً تجاه المهاجرين "غير النظاميين"، حيث تشير الإحصائيات إلى أن الناخبين الأثرياء الليبراليين يبتعدون أكثر فأكثر عن حزبهم لأسباب لا تتعلق بالهجرة، بل بأزمة المعيشة وأزمة القطاع الصحي بشكل خاص.

يُذكر أن حصة الأصوات المؤيدة لحزب المحافظين ممن تزيد أعمارهم عن 65 عاماً بلغت أكثر من 60 في المئة في الانتخابات العامة الأخيرة عام 2019، مما يعني أن خدمة الصحة الوطنية أساسية في حياتهم اليومية وتشكّل أولوية قصوى تفوق أهميتها أي ملف آخر.

"فضائح" الحكومات المتعاقبة لحزب المحافظين

شكّل ملف "حفلات داونينغ ستريت" والفضائح التي لاحقت حكومة الزعيم الأسبق بوريس جونسون عاملاً أساسياً في الخسارة التي تعرّض لها "حزب المحافظين" في الانتخابات الفرعية قبل سنة بالضبط، حيث استطاع "حزب العمال" المعارض استعادة مناطق نفوذه من جهة والاستيلاء على مناطق أخرى "محافظة" تقليدياً.

وأشعلت النتائج حينها غضباً كبيراً وانتقادات واسعة في صفوف "حزب المحافظين"، وقد ألقى معظمهم باللائمة على زعيمهم "المحبّب" جونسون، وعلى الأخطاء المتكررة التي اقترفها عبر خرقه للقانون و"تضليله" البرلمان.

وكان الاعتقاد سائداً بأن رحيل جونسون سيكون وحده كفيلاً باستعادة الشعبية والسيطرة وتوحيد الصفوف قبل الانتخابات العامة المقبلة، إلا أن السلوك العام للحكومتين اللتين أعقبتا حكومة جونسون كان مخيّباً لآمال ملايين الناخبين، حيث اتّضح ربما أن أزمة الثقة لم تعد محصورة بشخص واحد، بل بعقلية الحزب وسياساته العامة على كافة الأصعدة، وخاصة على الصعيد الاقتصادي.

وإن كانت مفردات "الغش" و"الكذب" و"الإهمال" و"الفساد" هي التي طغت على ملامح الحكومتين السابقتين، فليس المخزون اللغوي اليوم أفضل حالاً، حيث لم يمض على وجود سوناك في الحكومة سوى ستة أشهر، حتى استقال أكثر من 3 مسؤولين بسبب تهم الفساد والسلوك غير اللائق والتهرّب الضريبي، في حين أن وزراء آخرين ما زالوا في مناصبهم على الرغم من تهم شبيهة تلاحقهم، بينما لا تزال التحقيقات في قضية "تضليل" جونسون المتعمّد للبرلمان جارية، في حين استقال قبل يومين الرئيس التنفيذي لـ"بي بي سي" ريتشارد شارب بسبب التسهيلات التي قدّمها لجونسون سنة 2020 للحصول على قرض يبلغ 800 ألف جنيه استرليني، ليقوم لاحقاً جونسون بتزكيته لتسلّم منصبه الجديد كرئيس هيئة الإذاعة البريطانية.

وتشير استطلاعات الرأي اليوم إلى أن زعيم "حزب العمال" المعارض كير ستارمر قد تقدّم خلال الأسبوعين الماضيين على سوناك بأربع نقاط، وأن حصة حزبه من التصويت ستبلغ 44 بالمئة مقابل 26 بالمئة لحزب المحافظين.

وتبقى الكلمة الأخيرة للناخبين البريطانيين ولصناديق الاقتراع التي ستفتح صباح يوم الجمعة 5 مايو/ أيار، إلا أن الطريق إلى الفوز في الانتخابات العامة المقبلة يبدو أصعب من أي وقت مضى بالنسبة إلى جميع الأحزاب، لاسيما الحزب الحاكم.