28-فبراير-2023
.

الانقلاب على بوتين قد يكون أحد سيناريوهات نهاية غزو أوكرانيا

إعداد: سفيان البالي ومحسن القيشاوي

مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، يوم 24 شباط/ فبراير 2022، كان الكل يتوقع أن يشهد سقوطًا مدويًا للقوات الأوكرانية وحكومتها، كما أجمع العديد على أن الغزو ليس إلّا مسألة أيام، أو أسابيع كأقصى تقدير، وتتمكن القوات الروسية من الوصول إلى كييف، وهذه التصورات هي التي شكلت قناعة الكرملين وفلاديمير بوتين قبل الحرب.

تعثر الغزو الروسي بشكلٍ سريع في أوكرانيا وغرقت موسكو في وحل شرق أوكرانيا، فيما كشف استمرار الغزو لعام كامل إخفاق كل التصورات الروسية عن الانهيار السريع لأوكرانيا

تعثر الغزو الروسي بشكلٍ سريع في أوكرانيا، وغرقت موسكو في وحل شرق أوكرانيا، فيما كشف استمرار الغزو لعام كامل إخفاق كل التصورات الروسية عن الانهيار السريع لأوكرانيا، إذ فشلت كل محاولات بوتين لحد الآن في إطباق سيطرته على البلاد. 

بالمقابل، أثبت الأوكرانيون قوةً كبيرةً بالمقاومة، كما مرونة في ربط الأحلاف وحشد الدعم السياسي والعسكري الدولي لقضيتهم. وهو ما يعد بإطالة عمر الحرب، ويطرح أسئلة السيناريوهات التي ستؤول إليها الحرب. 

لتحليل كل هذه المعطيات على الأرض، أجرى "ألترا صوت، حوارًا طويلًا مع المحلل السياسي ورئيس تحرير موقع "أوكرانيا بالعربية" د. محمد فرج الله. 


  • مع انطلاق الغزو سادت مخاوف من سقوط سريع لكييف، وانتصار روسي خاطف، وتلك المخاوف كانت مشروعة بالنظر لعدم تكافؤ القوى العسكرية، غير أن ذلك لم يحصل، ماذا كانت أهم المقومات التي ارتكزت عليها أوكرانيا في صمودها أمام الغزو؟

طبعا القوى لازلت حتى اللحظة غير متكافئة، لكن ما الذي حدث؟  في البداية كانت هناك بروباغندا روسية، تعمل لـ 20 عامًا، ولم تكن فقط تقوم بالكذب أو تخدع المواطن الاوكراني أو الغربي، هذه البروباغندا خدعت المواطن الروسي نفسه، واستطاعت أن تقنع العالم الغربي بأن الجيش الروسي اليوم، جيش جرّار لا يمكن أن يقف بوجهه أحد، وأنه يملك إمكانيات هائلة، والنتيجة، أنه في العام الأول من الحرب، كانت أحد مقومات الجيش الروسي قائمة على البروباغندا وليس على إمكانيات حقيقية. وبالطبع، كانت البروباغندا الروسية من القوة، لدرجة أنها أسقطت بعض الدول الكبرى وأجهزتها الأمنية مثل  CIA.

النقطة الثانية، الهجوم المباغت الذي لم يتوقعه أحد، وظل العالم حتى اللحظة الأخيرة لا يريد أن يقتنع أنه بالقرن الواحد والعشرين يمكن أن تقدم دولة على غزو دولة أخرى، عضو بالأمم المتحدة وذات سيادة. لأن هذا التصرف سيكون غاية في اللامنطق واللاحكمة. وظل العالم يرفض الفكرة، ولأنه ظل يرفضها لم يستعد لها، في حين أن الطرف الآخر لم يعطي أي اعتبار القانون الدولي.

getty

النقطة الثالثة، عندما دخل الجيش الروسي إلى أوكرانيا حاول القيام بعملية صدمة، من خلال شل أوكرانيا من الشرق، واستطاع تجنيد كم كبير من المتعاونين داخل أوكرانيا، الذين نزعوا الألغام، وفتحوا الطريق نحو خيرسون ومريوبل، وتم الدخول إلى خاركوف. ومن الشمال لم تكن أوكرانيا تستعد لأي معركة، لأن الجارة الشمالية بيلاروسيا والرئيس البيلاروسي ظل يقول "لا يمكن أن نشترك في قتل إخوتنا الأوكرانيين". فهذا الهجوم القوي والمباغت، والمدعوم بالبروباغندا الهائلة، أصاب العالم بصدمة. فرأى العالم الصورة كما يلي: دولة تريد السلام، لم يسمع أحد في يوم من الأيام عن جيشها أو عن قواتها المسلحة، وقبل الحرب لم يكن للجيش الأوكراني أيّ صيت. فقد كانت الصورة عن القوات المسلحة الأوكرانية ضبابية، غير معروفة؛ هل هي قوية أم ضعيفة، مثلًا إذا تحدثنا الآن عن الجيش البولندي، وقلنا ما هي قوة الجيش البولندي، لا نعرفها! هل هو قوي جدًا، ضعيف؟ لا نعلم.  في حين أن الطرف الآخر ضخم صورته.

كل هذه العوامل، جعلت كل العالم يرى الصورة، شبيهة بما حصل في القرم، أي أن تكون المطارات معطلة، وسلاح الجو الروسي يتحرك بكل حرية في سماء أوكرانيا، والعالم الغربي المصدوم لا يريد حربًا مع دولة نووية، إضافة إلى الهجوم السريع بالتعاون مع المتعاونين الأوكران. ولكن هذا العالم نفسه بدأ يتعرف على الهوية الأوكرانية، عندما عرضت المخابرات الأمريكية على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إجلائه، من كييف إلى لفيف وإدارة الأمور من هناك.

ورفض الرئيس الأوكراني للعرض الأمريكي، أصبح يجبر العالم على الأقل أن يحاول أن يحمي الرئيس المنتخب. لماذا؟ لأن روسيا وضعت العالم أمام تحدي وابتزاز، كما أن أوكرانيا وضعت العالم المتحضر أمام تحدي، هل سيسمحون بأن يقتل رئيس منتخب ديمقراطيًا ودستوريًا؟ هذا سيكون فشل ذريع أمام الديمقراطية العالمية، وأوكرانيا تعلم أن الغرب سيساعدها، وبالتالي الرئيس ضحى بنفسه من أجل دعم بلاده.

النقطة الرابعة، عمليًا الجيش الأوكراني، الذي بناه الرئيس الأوكراني بيترو باراشينكو، لديه خبرة قتالية من خلال المعارك مع الانفصاليين في إقليم دونباس عام 2014. والأوكرانيون بدأوا في المقاومة منذ اليوم الثالث؛ المعارك لم تبدأ مع دخول الجيش الروسي من بيلاروسيا، بل بدأت في منطقة بروفاري  وبوتشا وإربين، أي في العمق، وعلى بعد 15 كلم من كييف، لأن القوات الأوكرانية كانت بالثكنات، وما إن خرجت وبدأت التعبئة، حتى التحمت في المعركة مع الروس. وهنا بدأت الصورة تتضح كما قلت، هناك صورتين أمام العالم؛ صورة جيش عرمرم ومبهر ومضخم إعلاميًا، وجيش غير معروف، وللمرة الأولى يظهر على الساحة. وهنا كان بالنسبة للأوكرانيين أن هذه الحرب هي حرب مفصلية، واستحضروا بالذاكرة عام 1918 عندما ولدت أول جمهورية أوكرانية، أوكرانيا الشعبية ONR، والتي تم غزوها بعد ثلاث سنوات عام 1921، وضاعت أوكرانيا لسبعين سنة، وهنا علم الشعب الأوكراني أن هذه الحرب ليست من أجل الناتو، بل للقضاء على أوكرانيا.

getty

عندما بدأت المقاومة في الأيام الأولى، وبدأ العالم يرى بأن الجيش الروسي يخسر في المعارك الأولى مع الجيش الأوكراني، بدأت الصورة تتبدد، وحاجز الخوف يكسر. وما تلقته أوكرانيا من صواريخ "جافلين"، في شباط/ فبراير الماضي، ورأى الجيش الأمريكي بأن صواريخ "جافلين" تصيب الهدف ومن ثم صواريخ "ستينغر"، ثم رأى عملية الصمود، بدأت الصورة تتغير، وبدأت نظرة العالم لأوكرانيا تتحول؛ من تلك الدولة التي سوف يقضى عليها الآن ويجب التفاوض مع روسيا لإنقاذها، إلى كونها فرصةً لتأديب روسيا. ومع رفض الرئيس الأوكراني الخروج من كييف، اعتبروا أن هذا الجيش يستحق الدعم، بالإضافة للخبرة الأوكرانية في استخدام مُسيّرات "بيرقدار" التي لعبت دورًا مهمًا في حماية العاصمة، ثم الوحدات الخاصة التي بناها وزير الداخلية الأوكراني واسمها "كورد"، التي بدأت في عمليات استنزاف للروس في إقليم كييف، بالإضافة لاستخدام الجيش الأوكراني حرب النوع ضد الكم.

روسيا كانت خططها تتوجه نحو الإفراط بالقوة الهائلة، من خلال أعداد هائلة من الجنود، في محاولة لاستنزاف الطرف الأوكراني. الأوكرانيون لم يقوموا بذلك، بل قاموا بدراسة هذه القافلة  "قافلة الموت" التي كانت تمتد لمسافة 36 كلم، من حدود بيلاروسيا إلى شمال كييف، وبدأوا بالهجوم عليها من نقاط ومحاور مختلفة، وبقيت القافلة لشهر متوقفة تتعرض للهجمات الأوكرانية، من كل الجهات، فتشتت قوة الروس، وهنا ضرب عامل الثقة؛ ففي كل جيش إذا فقد الجندي الثقة في القيادة، أو بأنه سينتصر، هنا يبدأ الانهزام، لأن الروس صدقوا بوتين في قوله أن الحرب مسألة أيام، وأنهم سيقومون بالعرض العسكري في شارع خريشاتي، لكن عندما شاهدوا الأيام تمر والشهور تمر، ولا أحد يستسلم رغم المآسي، بدأت ثقة الروس تتزعزع، والثقة لدى الجيش الأوكراني تتعزز.

هنا كسب الأوكران أول معركة، وهي معركة العاصمة كييف، وظهر الجيش الأوكراني بشكلٍ جديد، وبدأ العالم يعلم من هي القوات المسلحة الأوكرانية، قام بإرسال المستشارين العسكريين الغربيين، للإفادة والتدريب على كيفية استخدام التكنولوجيا الدقيقة في عمليات خاطفة، التي شاهدناها لاحقًا في إقليم سومي ثم تشيرنيهيف. ورأينا كذلك عندما استغل الأوكران تورط الروس بجرائم في بوتشا وأربين، وهذه الجرائم كشفتها أوكرانيا بطرق قانونية، وصدم الغرب وأوروبا التي كانت تظن أن المجازر لم تعد ترتكب في القرن العشرين، وبدأت أوكرانيا في أولى خطواتها لكسب المعركة السياسية، وما إن كسبت المعركة السياسية، بدأت أوكرانيا تقول: قلنا لكم ذلك! وبدأ الدعم في التدرج، من صواريخ "جافلين" و"ستينغر"، حتى وصلنا إلى الدبابات والحديث الآن عن مقاتلات "أف- 16".

getty

  •  قبل الوصول إلى نقطة المساعدات الغربية، رأينا مساهمةً كبيرةً من المدنيين الأوكران في جهود المقاومة، ما تقييمكم لهذه المساهمة، وما هي الأدوار التي لعبوها؟

طبعًا عندما غزا بوتين أوكرانيا، كان هدف الرئيس استهداف القوات المسلحة الأوكرانية، وكان يريد أن يستند إلى فكرة تقوم على التفريق بين الشعب والجيش، متوقعًا القيام بكسر القوات الأوكرانية، دون المساس بالشعب مباشرةً، معتقدًا أن الشعب الأوكراني سيستقبله بالورود. وهنا خدع نفسه، لأنه كان يعد العدة بأن هناك 250 ألف جندي نظامي هم المشكلة، ولم يحسب حساب أن مدينة مثل كييف، بها 4 مليون نسمة، سيخرج فيها الرجال ويصطفون في عملية الدفاع المدني.

ظهرت حركة اسمها "تيريتاريال أبارونا"، وهى حركة للدفاع الشعبي، وعندما أصبح الغزو على الأبواب، ودخلت دبابتين روسيتين كييف، وتم القضاء عليهما، هنا لم تكن هناك إمكانية لإضاعة أي دقيقة، فتح الجيش الأوكراني مخازن سلاحه، وأعلن بأن كل متطوع يريد أن حمل السلاح يمكنه أن يحضر، أنا حضرت في حي "أبالون"، وأذكر في تلك الشعبة، كان الجيش الأوكراني يوزع الأسلحة على المتطوعين، المخزن فرغ، والرجال ما زالوا مصطفين. وكانت هناك خطة لحماية كل مدينة، كييف، مثلًا، تولى حمايتها ألكسندر تورشينف، وهو رئيس مجلس الأمن القومي السابق، الذي قام بتقطيع كييف، إلى قواطع وفي كل ثلاثة كلم، يوجد متاريس يتطوع فيها سكان المدينة بالإضافة إلى الجيش أو شرطة. كان على روسيا من أجل تحتل كييف أن ترسل نصف مليون جندي، لأن بها أربعة مليون شخص، تخيل لو دخلوا؛ مباني شاهقة، الكل سيقاوم، سواء بالرصاص أو بالمولوتوف، بالإضافة للقوات المسلحة الأوكرانية، وكذلك الحماية من الخلايا النائمة، وحدات الحماية المدنية المسماة "تيريتاريال أبارونا"، التي بدأت تأخذ حماية المنشآت مثل المحال التجارية والجسور ومداخل ومخارج المدينة وعملية التمشيط في الليل على عاتقها، وبالأخص في العاصمة كييف، للقبض على كل من يشتبه به.

هذا الأمر لم يكن بوتين يضعه بالحسبان أبدًا، وهنا ظهرت قوة إضافية غير مدربة، لكنها ساعدت الجيش الأوكراني في أن يلتقط أنفاسه، ويحكم السيطرة لحماية كييف. وهذا الأمر ظهر في كل أوكرانيا، قوات الدفاع الشعبي لعبت دورًا؛ أولًا كعيون إضافية للجيش الأوكراني في كل مكان، وحماية المنشآت، والمساعدة في تفتيش المعابر خروجًا ودخولًا، إضافة لعملية التمشيط الليلي، ومنها برز شبان لديهم قدرة قتالية. وهنا أصبح هناك الجيش النظامي والجيش الشعبي، وهذا لم يكن بحسبان القوات الغازية.

getty

  • مع المساعدات الغربية، كان هناك عناصر متطوعة تقاتل في صفوف القوات الأوكرانية، في ظل المعلومات القليلة حول هذا الفيلق الدولي، هل يلعب هذا الفيلق دورًا مهمًا في المقاومة الأوكرانية؟

طبعًا أوكرانيا فتحت باب التطوع لفيلق واحد، اسمه "الفيلق الأممي"، وهو تابع للاستخبارات الحربية الأوكرانية، وفتح لاستقطاب المقاتلين الذين عانوا من الغزو الروسي بالدرجة الأولى، كالشيشان الذين هربوا من البطش الروسي، حيث تم تنظيمهم في وحدات، ولكن عددهم محدود جدًا وغالبيتهم من الدول المجاورة، كالمعارضين البيلاروس والمعارضين الجورجيين، كذلك المعارضين من داخل روسيا، والقوات الشيشانية، ولكن هناك معلومات تقول إن عددهم الإجمالي لا يصل إلى 10 آلاف. 

من ناحية العدد، الفيلق الأممي لم يقدم إضافةً كبيرةً، ولكن من ناحية النوع كانت الإضافة، فهم يتكلمون بلغات مختلفة، ويعلمون تضاريس المنطقة، مثلًا هناك وحدة من المتطوعين البيلاروس، يلعبون دورًا مهمًا إذا حدث غزو من الشمال، فهم يعلمون طبيعة المنطقة. هذا بالإضافة للرمزية، فحينما ظهر ثلاث عرب سوريين في الفيلق الأممي، وهم لا يؤثرون بالمعركة، ولكن ظهور عربي سوري مثلًا في الجيش الأوكراني، يحمل السلاح، كان لديه أهمية كبيرة من حيث الرمزية؛ بأن اليوم كل العالم الحر يمكن أن يقاتل في أوكرانيا.

الموضوع كان بالدرجة الأولى، استقطاب الشعوب التي يجمعها تاريخ مع أوكرانيا وعانت طبعًا من البطش الروسي، ولكن الأمر مع الزمن تطور، فظهر فيلق "جوهر دودييف"، حين تطوع الشيشان من أوروبا فأصبح هناك فيلق كامل، والفيلق البيلاروسي أيضًا، واليوم الحديث عن فيلق "روسيا الحرة"؛ حيث وصل كمية من الروس، سواء الأسرى أو الفارين من بوتين، ونشهد اليوم فيلق يحمل علم روسيا الجديدة، الأبيض والأزرق والأبيض، تحت شعار روسيا حرة، وهذه أيضًا مفاجأة جديدة في المستقبل، واعتقد سوف تستثمر، وتدرس ويتم نقلها للعمق الروسي.

getty

  • في الأسابيع الأخيرة كانت هناك تقارير حول تطورات عسكرية مرتقبة في الربيع، بعد ذوبان الثلوج وحين تسنح الظروف بتقدم الجيوش. في نظركم ما هي هذه التطورات العسكرية التي يخطط لها الجانب الروسي والأوكراني؟

طبعًا هنالك تسابق مع الزمن من الطرفين، روسيا كانت تعول كثيرًا على فترة الشتاء، لأنه في الشتاء بدأت بعمل إرهابي واضح وهو استهداف البنية التحتية لمنشأت الطاقة. وكانت روسيا تعول كثيرًا على هذه الورقة، في محاولة لإضعاف القوة الأوكرانية، والروح المعنوية، وكذلك إيقاف خط الإمداد. والنتيجة هي أن الشعب الأوكراني تأقلم بشكلٍ كبير، فقد بدأ استخدام المولدات الكهربائية ومحطات الطاقة الصغيرة، وأصبح السكان يتفهمون فكرة الصمود، وهو ما ينزع ورقة الشتاء من روسيا.

هذه النقطة الأولى. أما النقطة الثانية هي أن بوتين ومع مرور عام، في 24 شباط/فبراير، يجب أن يقوم بعمل ما لمحاولة تبرئة جرائمه، لماذا؟ لأنه الدولة العميقة والشعب الروسي بدأ يتساءل: بالقول إن هذه العملية الخاصة -كما تصفها روسيا- التي كانت معلنةً لأسبوعين أو شهر، أصبحت عام ولم تؤتي أوكلها. أيّ أن الهدف المعلن كان أن يردع أوكرانيا، لكن الحقيقة هي احتلال أوكرانيا. واليوم أعتقد أن كل عاقل يرى أن أوكرانيا، بعد ما رأته من كل تلك الجرائم، لن تقبل الحياد، أو أن تتخلى عن السلاح، لذلك اليوم بوتين ولكي يبرر حربه ويمولها، ويعطي الأمل لشبابه، ويعيد ولو أملاً واحدًا أو دعمًا لجيشه وتعبئة الروح المعنوية، هو بحاجة إلى نصر جديد ولو كان رمزيًا، بالذات بعد أن خسر وهزم في إقليم كييف وتشيرنيهيف وسومي وخاركوف، وطبعًا أجزاء أو نصف الضفة اليسرى من إقليم خيرسون.

 لذلك اليوم بوتين يعمل على هجوم شامل وفق المعلومات المتوقعة، ويكون في عدة محاور. نتحدث الآن عن فترة خطيرة، أي الشهر ونصف القادمة، ما تبقى من شباط/ فبراير وشهر آذار/ مارس، لأن هذه الفترة صعبة على الأوكران، وهي فترة شتاء صعب وبالتالي يصعب وصول الدعم الجديد لأوكرانيا. لذلك الفكرة المقترحة والمتوقعة، أن تحاول روسيا أن تغزو أوكرانيا من أربعة محاور: من الشمال عبر بيلاروسيا مع أنها ستكون خطة جنونية، أو من الشرق إلى خاركوف لتضرب مرة أخرى مدينة إيزيوم والسيطرة عليها، أو من الشرق الجنوبي باتجاه زاباروجيا ومحاولة السيطرة عليها، أو محاولة جديدة للإنزال على أوديسا، ومن الغرب طبعًا من إقليم برِدنيستروفيا [ترانسنيستريا].

ماذا عن أوكرانيا؟ الاستخبارات الأوكرانية أفشلت الورقة الغربية [لروسيا]، عندما كشفت أن انقلابًا يحضر في جمهورية مولدوفا، ونقل للرئاسة في مولدوفا، والرئيسة المولدوفية أطاحت بالحكومة، وهنا نزعت هذه الورقة من يد روسيا، التي تدير في إقليم مولدوفا إقليم انفصالي اسمه برِدنيستروفيا، وكانت روسيا تريد أن تستغله، وأصبح اليوم من الصعب عليها فعل ذلك. من جهة أخرى، في أوديسا، اليوم أوكرانيا تمتلك صواريخ "هاربون" المضادة للسفن، بمدى 240 كلم، والتي يمكنها أن تفشل أي محاولة إنزال. وبالتالي يبقى الآن الخطر القائم، والذي يقلق أوكرانيا، من الشمال أي من اتجاه بيلاروسيا ومن الشرق، لذلك تعمل أوكرانيا على التسريع بإقناع الحلفاء بالدعم.

اليوم بالدبابات "تشالنجر"، و"ليوبارد"، و"أبرامز"، و"AMX10"، هذه الدبابات تريد أوكرانيا أن تستخدمها لهدفين؛ الهدف الأول ردع الهجوم الذي تحدثت عنه من عدة محاور، وكسره. ومن جهة أخرى إن لم يستطع بوتين القيام به، سواءً في الربيع أو في نهايته، مما سيتيح للجيش الأوكراني الوقت والإمكانية للتحضير لهجوم مضاد شامل، كما حدث في إقليم خاركيف وخيرسون، ويتمكن الجيش الأوكراني من تنفيذ هجومه المضاد بإقليم لوغانسك ودونيتسك، وتطويق المحطة النووية بالمنطقة الجنوبية. لكن الآن كما قلت الصراع هو صراع الزمن، روسيا تحاول أن تستغل الشهر ونصف قبل أن تحصل أوكرانيا على السلاح الجديد، في حين أوكرانيا تسرع قدوم السلاح لإفشال الغزو، بالذات بعد أن وعدت أخيرًا بصواريخ "غراوند لانشر"، وهى المرة الأولى التي تستلم فيها أوكرانيا صواريخ بمدى 160 كلم، مجنحة تطلق من أي نقطة وستكون قادرة على ضرب خط الإمداد بالنسبة للعدو، وإفراغ مخازنه كي لا يقوم بالتقدم.

getty

  • إضافة للدبابات والصواريخ التي ذكرتها، ما هي أهم المساعدات العسكرية التي تحتاجها أوكرانيا اليوم، وكيف ستساعد الجيش الأوكراني؟

طبعًا أوكرانيا كما رأينا، هي استبيحت في البداية من السماء، وحين استبيح سماء أوكرانيا هذا مهد للروس لأن يدخلوا بالطائرات المقاتلة والمروحية، ووصلوا إلى هنا إلى مطار "غوستوميل" البعيد عن كييف مسافة 20 كلم وقاموا بعملية إنزال، وكان ذلك ضربةً قويةً لأوكرانيا. الآن نرى أن أوكرانيا بالدعم الغربي، أصبحت بالمضادات الجوية والدفاع الجوي، قادرة على  اكتساب معركة السماء تدريجيًا. 

كنا نتحدث في سبتمبر الماضي، عندما كانت تقصف روسيا أوكرانيا، بحوالي  50 أو 60 صاروخًا مجنحًا، غالبيته يصيب هدفه، نرى أنه قبل أسبوع قصفت روسيا بملايين الدولارات أوكرانيا، 71 صاروخًا مجنحًا، استطاعت أوكرانيا أن تسقط 61 صاروخًا منها، هذا يعتبر اليوم تفوقًا كبيرًا للأوكرانيين بالذات، فنحن نتحدث عن صواريخ فرط صوتية.

الآن أوكرانيا لكي تمهد، سواء لهجوم مضاد ناجح أو لإفشال هجوم روسي، بحاجة لأن تسيطر كليًا على السماء. ولكي تسيطر أوكرانيا على أجواءها، هي بحاجة لمزيد من  منظومات الدفاع الجوي، لأن أوكرانيا تعتبر أكبر دولة أوروبية من حيث المساحة، وكذلك سلاح طيران متطور. أوكرانيا اليوم بكل ما تملكه اليوم من طائرات قديمة، "ميغ" و"سوخوي"، استطاعت أن تحرم روسيا من التفوق في السماء، وما إن يسلم الحلفاء لأوكرانيا طائرات "أف- 16" الأمريكية أو "تايفون" البريطانية، ستكون قادرة أن تحمي سماءها.  وعلى الأرض ستكون بالدبابات الحديثة "تشالنجر" و"ليوبارد" و"أبرامز"، وهنا يكون تناغم مهم جدًا في كسب أي معركة، طبعًا الدبابات بحاجة إلى غطاء جوي، وعلى الأرض المعركة تكسب ليس بالسماء بل بالدبابات،  وبالتالي فإن أوكرانيا بأمس الحاجة إلى هذين السلاحين.

إلّا أن أوكرانيا تطلب أكثر، وتريد صواريخ "أتاكمز"، بعيدة المدى 270 كلم، وبطبع أوكرانيا تعد الغرب أنها لن تقصف العمق الروسي، ولكن بحاجة لصواريخ بمدى 300 كلم لتفرغ مخازن العدو، ففي أي حرب إذا أردت أن تضرب العدو عليك بقطع خط الإمداد، وخط الإمداد الروسي هو في عمق 200 إلى 300 كلم عن خط الجبهة، في ميليتوبول وفي ماريوبول وفي القرم وفي لوغانسك وفي دونيتسك، بعيدًا عن الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا، إذا توفر الصواريخ بعيدة المدى لأوكرانيا القدرة على إفراغ المخازن الروسية. وهذا سيسهل على الجيش الأوكراني هجومه المضاد ويمنع روسيا من الهجوم. ورأينا كيف أن منظومات "هيمارس" غيرت المعادلة، لقد كانت انكسارًا وتحولًا كبير في المعارك. اليوم وصول هذه الصواريخ لأوكرانيا، التي تتحدث التسريبات عن أن الغرب يفاوض أوكرانيا لمنحها إياها، سيكون تحولًا كبيرًا، لكن ستبقى الحاجة الماسة بالدرجة الأولى إلى الدبابات وسلاح الطيران.

getty

  •  قبل أسابيع، تحدث الكرملين عن خطة تعبئة جديدة، قوامها 350 ألف جندي، حسب التقديرات والتقارير الواردة. هل تمتلك روسيا القدرة على تجنيد هذا العدد الكبير من الجنود، وهل ستكون قادرةً على الاستمرار في تمويل الغزو؟

روسيا في أقل من عام خسرت تقريبًا نصف دخلها، نعلم أن 70% من دخل الخزينة الروسية يأتي من النفط والغاز، و"غازبروم" لوحدها خسرت 48% من مبيعاتها ما بين كانون ثاني/ يناير 2022 إلى كانون ثاني/ يناير 2023، لذلك بدأت العقوبات تؤتي أوكلها في روسيا اليوم. العقوبات لم تفرض في شباط/ فبراير بل بدأت في آذار/ مارس، حزمة بحزمة، وآخر حزمة كانت مع ذكرى الغزو، ولكن اليوم المواطن الروسي بدأ يشعر بالعقوبات.

أما على المستوى الدولي، اليوم لدى الدولة الروسية أزمة خطيرة في التمويل والتعبئة. في موضوع التعبئة، كل ما تقوله روسيا  هو بروباغندا موجهة للداخل، وأكبر دليل على ذلك عندما أعلن بوتين العام الماضي عن التعبئة الجزئية، رأينا كيف أن 300 ألف شاب روسي فروا بين ليلة وضحاها إلى جورجيا وتركيا ومولدوفا وفنلندا وإلى كل مكان. فإذا كان الشاب الروسي مقتنعًا بهذه الحرب [كما يصوره بوتين] لما فر إذًا؟  هذه كانت أول صدمة رآها العالم لبوتين. 

ثانياً، لو كانت روسيا قادرة على التعبئة كدولة، ما كانت قد لجأت إلى السجون وفاغنر، المعروفة بأنها من منظمات الارتزاق العسكرية. لأنه في أي دولة، مهما كان للعسكري احترامه، إذا أردت أن تهين عسكريًا ضع مجرمًا يأمره. اليوم فاغنر هي التي تأمر وزارة الدفاع الروسية، وهناك استياء كبير من أن الجيش الروسي أصبح يؤمر من فاغنر. فلو كان لروسيا قدرة على التعبئة كما يقول بوتين، لما قامت باللجوء إلى فاغنر، واليوم الحديث بدأ عن أن "غازبروم" تفتح شركة أمنية جديدة لها. 

النقطة الثالثة، حتى لو قامت روسيا بالتعبئة، نحن في أوكرانيا رأيناهم، من وصل حتى الآن من شبان التعبئة استسلم الكثير منه في الأيام الأولى. كما أنه لن يكون لهذا الجندي المعبأ أي خبرة قتالية، وهو بحاجة إلى شهور من التدريب، بالإضافة إلى التجهيز، وتجهيز الجندي بشكلٍ جيد يكلف 70 ألف دولار. 

روسيا ترمي الجنود للتهلكة اليوم، كما قال كاتب خطابات بوتين السابق الذي هرب من روسيا عباس غالياموف، وكان مقربًا من بوتين، قال: "بعدما أصبحت جثث أبناء الروس تعود إلى روسيا في أكياس سوداء، أصبح الانقلاب في روسيا واقعًا، وأصبح بوتين لا يخرج للعامة ويلتقى بهم".  لذلك عملية التعبئة هذه نظريًا ممكنة، ولكن على الأرض فعليًا ليس الأمر بالسهل كما تقول روسيا.

  •  مع اندلاع الحرب، لاحظنا وقوف الحلفاء الغربيين في دعم كييف، ما تقييمكم لأداء هؤلاء الحلفاء، وهل ما يقومون به كافي لمنح أوكرانيا الانتصار؟

لا! الحلفاء لم يقفوا مع كييف. الحلفاء في أول شهر ونصف كانوا يتفرجون، وانقسموا إلى محورين؛ هناك محور باريس- برلين الذي ظل يحاول إقناع بوتين بالتراجع وثنيه عن خطط الغزو وحثه على الانسحاب. ورأينا اتصالات ماكرون وشولتس [مع بوتين]، وظلت ألمانيا تحاول بكل الطرق التهرب من دعم أوكرانيا عسكريًا، واستمر الأمر لغاية تشرين أول/ أكتوبر الماضي، فمحور برلين- باريس، ظل يتملص من الدعم إلى غاية آخر الصيف. 

أمّا المحور الذي دعم أوكرانيا بشكلٍ جيد أو مقبول هو محور لندن- واشنطن، المحور الانغلوساكسوني، لأنهم كانوا على قناعة بأن بوتين لا يمكنه أن يتراجع إلّا بكسره في أوكرانيا، وكان الدعم في البداية متواضعًا، لو رأيت الدعم المقدم لأوكرانيا حتى نهاية العام الماضي، فهو يدور حول ثلاثة أنواع من الأسلحة: المضادات الجوية، وصواريخ "جافلين"، وصواريخ "ستينغر" المضاد للطائرات. صواريخ  "جافلين" و"ستينغر" المحمولة على الكتف تأتي ضمن رؤية حرب العصابات. 

getty

ما سبق، يعكس أنه كانت هناك قناعة لدى الغرب، حتى العام الماضي، بأن روسيا سوف تحتل أوكرانيا، وأن ما يمكن أن القيام به هو تمكين كييف من مقاومة قوية تستنزف روسيا. لكن الأمر تغير فقط في كانون أول/ ديسمبر، عندما بدأ الغرب يتحدث ويقر إمداد أوكرانيا بالدبابات، هذا التحول عكس الدعم الحقيقي والمنشود، لأن نظرة الغرب تغيرت، وأصبحت القناعة لديهم بأن دعم أوكرانيا لا يقتصر على تحقيق صمودها، بل أصبحت حليفًا، وأصبحت هناك قناعة أن القوات المسلحة الأوكرانية لن تسمح بأن تكون الأسلحة الهجومية غنيمة للقوات الروسية، لكن هذا لا ينفي أنه كان هناك تأخر كبير.
وإن أردنا الحديث عن الكم، فقد سُئِل قائد الجيش الأوكراني الجنرال فاليري زالوجني: "كم تحتاجوا إلى النصر؟"، وقال: "نحن بحاجة إلى 600 مدفع هاوتزر، لدى أوكرانيا فقط 160، ونحن بحاجة إلى 500 دبابة، أوكرانيا اليوم وعدت بـ 300 دبابة، ونحن بحاجة لصواريخ بعيدة المدى"، وأضاف: "سلموني هذا الكم ودون أية مفاوضات، وأنا سأطرد الروس من كل أراضي أوكرانيا بما في ذلك القرم". لذلك، نرى الفرق الكبير بين المنشود والواقع، لكن الصورة أصبحت تتغير سريعًا لصالح أوكرانيا كما قلت، لأن أوكرانيا كسبت المعركة سياسيًا ودبلوماسيًا، وأقنعت الحلفاء بأنه لا أمل بالحديث مع بوتين.

  • مؤخرًا، برزت تقارير حول قضايا الفساد التي طالت أجهزة ووزارات أوكرانية، في نظركم هل ستؤثر هذه التقارير على الدعم الغربي لأوكرانيا؟

عملية التنظيف بجهاز الدولة لن تؤثر على الدعم، بالعكس هذا مطلب أوروبي. كانت هناك قناعة لدى الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال حملته الانتخابية بأن لدينا عدو داخلي وعدو خارجي: الداخلي الفساد والخارجي روسيا. وكانت هناك قناعة في البداية بأن نتغلب على العدو الخارجي ومن ثم الداخلي، ولكن مع الزمن اعتبر زيلينسكي والشعب الأوكراني بأنه لا يمكن أن ننتصر على العدو الخارجي قبل الداخلي. لأنه عندما يقوم الحلفاء بدعم أوكرانيا بالسلاح أو المواد الغذائية، ونصفها مثلًا لا يصل إلى الجبهة، هذا سيولد غضبًا في الشارع وللجندي الأوكراني، وسيضرب ثقة الحلفاء ويعطي دول مثل المجر ذريعةً لعدم دعم أوكرانيا.

ومنذ البداية أيضاً كان الغرب واضحًا: رصدنا لكم مثلًا 18 مليار دولار دعمًا لاقتصاد أوكرانيا لكي تصمدوا، هذه المليارات إن أردتم استلامها علينا أن نرى منكم خطوات حقيقية في محاربة الفساد. وهنا بدأ الرئيس الأوكراني يحارب الفساد، وفي الصحافة ما أن كشفت عمليات الفساد في المواد الغذائية مباشرة تمت الإطاحة بالمسؤولين. وهذا ما حصل على قبول لدى الأوروبيين في قمة الاتحاد الأوروبي مطلع شباط/ فبراير الجاري، واقتنعت الدول الأوروبية بأن أموالها لن تسرق وسوف تصل فعلًا إلى مبتغاها. 

getty

من جهة أخرى، الرسالة الموجهة لأوروبا هي أيضًا بأن الرئيس الاوكراني بدأ يحظى بثقة الشارع. فلقد كانت هناك تقارير صحفية تفضح وجود ذلك الفساد، وغضب في الشارع إذ رأينا في بعض الأحيان مواد غذائية (خاصة بالجيش) تباع  في الأسواق، وهنا قرر الشعب أنه لن يغفر لأي فاسد. فكان على الرئيس إما أن يبرز كرئيس قوي باتخاذ القرار قوي ضد الفساد، أو محاولة لملمة الأمر كما فعل سابقوه، وهنا اختار زيلينسكي الخيار الأول، أي التعامل بحزم، وهذا وبالفعل أعطى صورةً قويةً جدًا للغرب عن أوكرانيا، ومكنها من الحصول على احترام الحلفاء بالغرب وتغيير نظرتهم إليها، وأثبتت أنها جديرة بأخذ صفة دولة مرشحةً للانضمام للاتحاد الأوروبي. كل هذا حدث على شكل معجزة، دول مثل هولندا، لو عدنا لما قبل الحرب، كانت ضد أن تحصل أوكرانيا على اتفاقية التأشيرة الحرة، اليوم هولندا أول دولة مستعدة لدعم أوكرانيا بسلاح الطيران. لماذا؟ لأن الغرب يريد أن يرى القوانين في أوكرانيا تتغير، وهذا هو السبب الحقيقي للحرب، بوتين عندما هاجم أوكرانيا، لأنه رأى دولة تفلت من الفساد وتتجه نحو الغرب، وهو أراد أن يسحبهم إلى الوراء، وحاول شراء الذمم ولم ينجح، فقرر الغزو لتعيين حكومة دمية كتلك التي في بيلاروسيا. لذلك اليوم الحرب ضد الفساد تعتبر بنفس أهمية الحرب مع روسيا.

  • هل يمكننا توقع متى وكيف ستنتهي هذه الحرب؟

طبعًا هناك عدة سيناريوهات. السيناريو الأول وهو أن يكون في الربيع أو الصيف هجوم أوكراني مضاد قوي، تستطيع أوكرانيا بقوة السلاح أن تحرر كل أراضيها، وإذا استطاعت أوكرانيا أن تحرر كل أراضيها، تصبح الحرب بلا معنى، وهذا الأمر طبعًا سواء أقرت روسيا أو لم تقر بذلك. وهذا سيفتح المجال أمام القلاقل داخل روسيا، إن لم تخرج روسيا أو تعترف بأن عمليتها العسكرية فشلت، وهذا الخيار الأول.

الخيار الثاني، تقوم أوكرانيا بطرد الروس أو إلحاق هزائم مؤلمة بهم، وهنا سيقبل بوتين بالوساطة التركية التي عرضها سابقًا أردوغان مرتين، والتي تهدف إلى إجراء لقاء قمة بين زيلينسكي وبوتين، وهو ما ظل بوتين يتهرب منه، في حين كانت أوكرانيا موافقةً بشرط أنه لا نقاش حول سيادة الأراضي. 

الحلفاء لم يقفوا مع كييف، الحلفاء في أول شهر ونصف كانوا يتفرجون، وانقسموا إلى محورين، محور باريس- برلين المتردد ومحور لندن- واشنطن الذي قدم الدعم

والخيار الثالث هو انقلاب داخل روسيا، نحن رأينا من الدولة العميقة في روسيا، وبالذات الأوليغارشية، عندما شاهدوا تجميد أموالهم والعقوبات عليهم، مما يمكن أن يدفعهم للتحرك. هذه الطبقة المخملية قد تحضر لانقلاب في روسيا، وإن حصل انقلاب بالطبع ستوضع كل الجرائم على ظهر بوتين وتنتهي الحرب، وهنا يمكن أن تأتي روسيا جديدة للتفاوض ولكن بشروط أوكرانية.