28-فبراير-2023
getty

الدور الأكبر للعناصر المدنية الأوكرانية كان في معارك خيرسون (Getty)

في بدايات الغزو الروسي، كان يقدر تعداد الجيش الأوكراني قرابة 196 ألف جندي، بينما يقدر تعداد الجيش الروسي بالمليون جندي، مع تجهيزات عسكرية متطورة كمًا ونوعًا، تمنح روسيا أفضليةً واضحةً على أوكرانيا، لاسيما وأنها دولة نووية.

في عام 2014 تشكلت فرق عدة من المدنيين لمساندة الجيش الأوكراني في صد الهجمات الروسية وتقديم الدعم اللوجستي وتزويد أجهزة المخابرات بالمعلومات الحيوية حول تقدم القوات الروسية على الأرض

بحرًا لا تملك أوكرانيا أي غواصة، في مقابل 49 سفينة وغواصة روسية، أمّا جوًا تمتلك أوكرانيا 132 طائرة حربية (معظمها من الطراز السوفيتي)، في مقابل 1391 طائرة حربية روسية. 

أما الإنفاق الحربي لعام 2021 فيقدر بالنسبة لأوكرانيا بحوالي 4.7 مليار دولار، في مقابل 45.8 مليار دولار في روسيا لذات العام، بحسب CNN. ما سبق، يعطي أفضليةً واضحةً لروسيا، وبالطبع كافة الأرقام تأتي قبل زيادة الدعم الغربي لأوكرانيا.

وإلى جانب الدعم الغربي الكبير، كان صمود الجيش الأوكراني واحدًا من العلامات البارزة إلى الحرب، أمّا عوامل المقاومة الأوكرانية، فقد تعززت، من خلال المتوطوعين المدنيين بشكلٍ كبير، سواء بتدريبهم عسكريًا والمشاركة في الحرب، أو تحويلهم إلى مجموعات مقاومة شعبية تساهم في نقل المعلومات والتجسس على القوات الروسية.

getty

قلب توازن القوى

وهذه ليست المرة الأولى التي تساهم فيها عناصر مدنية أوكرانية في الحرب ضد روسيا، ففي عام 2014 تشكلت فرق عدة من المدنيين لمساندة الجيش الأوكراني في صد الهجمات الروسية وتقديم الدعم اللوجستي وتزويد أجهزة المخابرات بالمعلومات الحيوية حول تقدم القوات الروسية على الأرض. وكانت تتألف الكتيبة الواحدة من رجال ونساء وعمال وأصحاب مهن مختلفة ومتنوعة كالسائقين والأساتذة وعمال المصانع والعاملين في المجال الثقافي والرياضيين وغيرهم.

وفي الحرب التي شنتها القوات الروسية على أوكرانيا في شتاء العام الماضي، وتحديدًا في منطقة خيرسون، تمركزت القوات الروسية داخل متجر لبيع الأجهزة الإلكترونية واستخدمته كمخزن للطعام ومستشفى ميداني، لكن سرعان ما قامت القوات الأوكرانية بقصف المتجر وتدميره.

المدنيون، كانوا السر وراء عملية الاستهداف، فقد حصلت القوات الأوكرانية على معلومات عن المتجر وطبيعة استخداماته من قبل مجموعة من المواطنين المدنيين في المدينة، والذين زودوا قوات بلادهم بالصور والإحداثيات والمعلومات حول حركة القوات الروسية في المتجر عبر تطبيق تليغرام، بحسب تقرير نشرته صحيفة ذا وول ستريت جورنال، العام الماضي.

getty

وحول المدنيون الأوكران التجسس لصالح قوات بلادهم جزءًا من روتينهم اليومي، فقد راقبوا الطرق المؤدية إلى المدينة، واستخرجوا أفلام الكاميرات الموضوعة عند تقاطعات الطرق، ومنهم من تذرع برعاية الماشية لمراقبة القوات الروسية، مما لعب دورًا حيويًا في توجيه ضربات دقيقة للقوات الروسية حيث أجبرت موسكو في نهاية المطاف على إعادة تمركز قواتها خارج المدينة. 

وكان رئيس مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، أوليكسي دانيلوف، قد صرح بالقول "حلفاؤنا من المدنيين، من الشبان والفتيات، يساهمون في سعي أوكرانيا لاستعادة أراضيها".

تشكلت أولى هذه المجموعات عبر تليغرام من 20 عضوًا، وكان شعارهم Ruzzians Go Home أي "الروس عودوا إلى دياركم"، وكان ذلك إبان بدايات الغزو الروسي لأوكرانيا بتاريخ 24 شباط/ فبراير من العام الماضي. 

في حينها قامت روسيا بتعطيل شبكة الإتصالات الأوكرانية، فتدبرت المجموعة أمر التواصل عبر استخدام بطاقات الهاتف الروسية واستخدمت برامج VPN لتجنب كشفهم. وهكذا بدأت المعلومات الاستخبارية تتدفق إلى العاصمة كييف، مركز غرفة العمليات، والتي بدورها أصدرت الأوامر لضرب الأهداف الروسية.

getty

الكل مجند

لم يقتصر عمل المدنيين على مجموعات تليغرام المنظمة، لكن كان العديد من المواطنين المدنيين يقومون بمبادرات فردية من منازلهم وبهواتفهم الذكية، من خلال تصوير لقطات من نوافذهم لحركة مرور الجنود الروس وآلياتهم، ومن ثم إرسالها إلى قوات بلادهم. بعض العناصر المدنية، ساهمت في تعقب الضباط الروس ومعرفة أماكن سكنهم خارج خيرسون، وشخص آخر كلف بمهمات زرع عبوات متفجرة تحت سيارات الضباط الروس، وإلى جانب هذه المهمة، شكلت المجموعات المدنية في أوكرانيا، شبكات حماية لأنفسهم وممتلكاتهم، بعد خروج الشرطة الأوكرانية من المدينة.

المدنيون الأوكران، استخدموا معرفتهم ما قبل الحرب من أجل خدمة الجيش الأوكراني، حيث استطاع أحدهم، وقد كان خبيرًا في الاتصالات، باعتراض الاتصالات الروسية، مما مكن من إصدار تحذيرات مسبقة وكشف مواقع المدفعية الروسية.

المساهمة في هذا الجانب لم تقتصر على الفاعلية العسكرية، فقد تمكنت هذه المجموعات من تسريب تسجيلات صوتية لجنود من الجيش الروسي، كشفت عن أوضاعهم الميدانية، مثل الشكوى من نقص الإمدادات والوقود وتعطل المركبات.

أحد المدنيين الذين حملوا السلاح، عمل سابقًا كمدير إداري، أشار لموقع فرانس24 بالقول "الناس يمدون يد العون لنا بكل شيء، إنهم يعطوننا الفاكهة والخضار وأشياء لسنا بحاجة لها"، ويضيف "هذا شيء جميل عندما تجد أن جيرانك والأصدقاء والأطفال والناس جميعًا في المدينة يدعموننا في المعركة".

getty

الدافع البسيط

يقول أحد المدنيين من الأوكران والمتطوع في حرب إقليم الدونباس، شارحًا الدافع الذي يشد المدنيين إلى تقديم العون والمساعدة للقوات الأوكرانية ضد الغزو الروسي، مشيرًا بالقول لوكالة الصحافة الفرنسية "الدافع بسيط، لقد اقتحم عدو أرضي، لا تتطلب المسألة المزيد من الدوافع". 

من جانبه، قال أحد القادة المدنيين: "طوال ثمانية أعوام، أيّ منذ عام 2014، كنا نعلم أن الحرب لم تنته، وكنا دومًا مستعدين لمساعدة قواتنا الحكومية النظامية". 

والمساهمة ميدانيًا، خاصة في المناطق التي سقطت سريعًا في يد روسيا، لم تقتصر على عمليات التجسس، فقد قامت المجموعات المدنية بعمليات تخريب عديدة للسكك الحديدية وخطوط النقل من أجل تعطيل حركة الجيش الروسي، مع بقاء تقديم المعلومات الاستخبارية، عاملًا مهمًا في دورها.

الخبير العسكري في كييف، سيرغي زغوريتس، علق على القضية، بالقول: "كتائب المتطوعين المدنيين لعب دورًا إيجابيًا في سير المعارك"، وأضاف "لقد كان ذلك بمثابة ردة فعل المجتمع تجاه التهديد الخارجي". 

getty

كانت تلك المحاولات المدنية للمساعدة ذات فائدة كبيرة، وقد صرح مسؤول أمني أوكراني مطلع على مجرى العمليات، قائلًا: "المتعاونون من المدنيين الأوكران كانوا قادرين على رؤية الجنود الروس، ورصد تحركاتهم، ومعرفة أين يذهبون لتناول العشاء، وأين يحتفلون، وأين يغسلون ملابسهم، وكانوا يشاركوننا هذه المعلومات"، وأضاف "بدون المساعدة التي قدمها المدنيون لم يكن لدينا أي قدرة لمعرفة تلك المعلومات".

كل ما سبق، لم يعني أن هذه المجموعات كانت خاليةً من المخبرين لصالح روسيا، والذين كانوا يبلغون عن أسماء الأعضاء في مجموعات تليغرام مما أدى إلى اعتقال كثيرين من قبل الاستخبارات الروسية. 

مما دفع القوات المدنية، لاستخدام تكنيكات جديدة من أجل مواجهة الاختراق، مثل الطلب من كل عضو جديد، تصوير مقطع مصور من منزله للتأكد من عدم ضبطه من قبل الاستخبارات الروسية، ومن يفشل في تصوير الفيديو تتم إزالته من المجموعة وحذف الدردشة كاملةً. 

ومن أجل مواجهة ظاهرة الأوكران الذي قاموا ببناء علاقة مع الجيش الروسي، قام أعضاء في الكتائب المدنية بجمع المعلومات عن المتعاونين الأوكران مع الروس وتقديم لوائح باسمائهم لسلطات إنفاذ القانون الأوكرانية، بحسب تقرير لوكالة رويترز.

getty

غير أن العديد من المدنيين الذين كانوا يزودون قناة تليغرام التابعة للجيش الأوكراني بالمعلومات، تم تحديد هوياتهم من قبل الاستخبارات الروسية، والتي استطاعت أن تداهم منازلهم وتلقي القبض على العديد منهم بتهمة التجسس، ولا يزالون إلى الآن رهن الاعتقال، مع بقاء إمكانية خروجهم في عمليات تبادل الأسرى.

أشارت صحيفة النيويورك تايمز إلى الدافعية الكبيرة للمدنيين الأوكران مع بداية اندلاع الحرب على بلادهم، هذه الدافعية والروح القتالية لعبت دورًا كبيرًا في المعركة، لاسيما وأن الخصم هو روسيا، النظام الذي يملك من الجنود والعتاد الكثير الكثير للفتك بأوكرانيا وسكانها. لكن في الأيام الأولى تشكلت قوات الدفاع الإقليمية، وكما بدأ توافد المتطوعين للتجنيد في الجيش. وفي حينها، صرح مستشار الرئاسة الأوكرانية ميخايلو بودولياك لـ"نيويورك تايمز"، بالقول: "قوات الدفاع تعمل على الأرض بشكلٍ فعال لم نكن نتوقعه"، وأضاف "اتضح لنا أن الناس خرجوا للدفاع عن منازلهم وأرضهم".

المساهمة ميدانيًا، خاصة في المناطق التي سقطت سريعًا في يد روسيا، لم تقتصر على عمليات التجسس، فقد قامت المجموعات المدنية بعمليات تخريب عديدة للسكك الحديدية وخطوط النقل من أجل تعطيل حركة الجيش الروسي

الحراك الأوكراني في المناطق التي سيطرت عليها روسيا خلال الغزو، لم يقتصر على الجانب العسكري، فقد خرجت مظاهرات داخلها، ترفض السيطرة الأوكرانية على مدن مثل خيرسون وميليتوبول، ومن خلال جمع التبرعات المالية والعينية، في دور من المتوقع أن يطول، في ظل استمرارية الحرب التي لا تبدو أنها قريبةً من نهايتها.