28-فبراير-2023
.

روسيا تركز على توطيد علاقاتها مع النخب والحكام في أفريقيا

إعداد: سفيان البالي وفراس حمية

مؤشرات عدة تدل على تعاظم النفوذ الروسي في أفريقيا، منها دعم جمهورية مالي للحرب الروسية ضد أوكرانيا حيث امتنعت عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار يدين التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا. وكانت روسيا قد سلمت أسلحة وطائرات هليكوبتر هجومية من طراز "Mi-35M" ونظام رادار جوي متقدم إلى النظام العسكري الحاكم في مالي.

لا يقتصر نشاط موسكو على مالي، فالوجود الروسي يتوسع في مناطق أخرى في القارة السمراء منها دول بوركينا فاسو والسودان

ولا يقتصر نشاط موسكو على مالي، فالوجود الروسي يتوسع في مناطق أخرى في القارة السمراء منها دول مثل بوركينا فاسو والسودان. يضاف إلى ذلك انسحاب فرنسا من أفريقيا الوسطى، التي تواظب روسيا على إرسال دفعات من جنودها إليها. وشهدت العلاقات الروسية الأفريقية توسعًا ملحوظًا أسفر عن انعقاد قمة روسية أفريقية عام 2019 عادت بها روسيا إلى الساحة الأفريقية في كافة المجالات العسكرية والاقتصادية والثقافية والتكنولوجية والعلمية. وقد بلغ عدد الاتفاقيات التي تم توقيعها قرابة 50 اتفاقية، وبلغت قيمة العقود حوالي 12 مليار دولار.

نذكر هنا اتفاقية تعاون عسكري بين روسيا وموريتانيا، وحصول روسيا على بورتسودان بالسودان، وزيارة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إلى تنزانيا وعرضه أفاق التعاون العسكري والتجاري والاقتصادي والديبلوماسي، وخروج تظاهرات في بوركينا فاسو معادية للتواجد الفرنسي في البلاد، التي دخلت روسيا مكانها تدريجيًا، بالإضافة إلى زيارة واسعة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

عطفًا على ذلك، لماذا بدأ النفوذ الفرنسي في الانحسار من أفريقيا؟ ما هي معالم التوغل الروسي في الساحل؟ هل العداء الشعبي ضد باريس رد فعل تلقائي أم محرك من موسكو؟ وما هي آفاق التنافس الروسي الغربي في المنطقة؟ كل هذه أسئلة يحضر معنا للإجابة عنها الباحث النيجيري حكيم نجم الدين، المدير التنفيذي لمركز الأفارقة للدراسات والاستشارات، والمهتم بالتحولات السياسية في إفريقيا جنوبي الصحراء، في مقابلة حصرية مع ألترا صوت. 


  •  خلال السنوات الأخيرة عاد شبح الانقلابات في منطقة الساحل بوتيرة أكبر، كيف يمكن تفسير هذه الظاهرة؟

كانت من الآمال المعلقة على الحكومات الديمقراطية النيوليبرالية، التي جاءت إلى الحكم في تسعينات القرن الماضي في أفريقيا، أن تحرر القارة الأفريقية من الاستبداد وتعزز التنمية وتقلل من الاستيلاء العسكري على السلطة لصالح التعددية السياسية وسيادة القانون. 

ولكن هذه الحكومات لم تحقق معظم وعودها، وحيث تواجه العديد من الدول الأفريقية تحديات الحكم الرشيد وانعدام الأمن. ولم تفِ أيضًا الحكومات باستحقاقات المواطنة، وهذا خلق جماهير محبطة وشباب غائب عن الوضع. أدى هذا الغضب على القادة الضعفاء الذين يخدمون مصالحهم وأنفسهم، إلى جانب عوامل دولية والتأثيرات الخارجية، إلى تدخل الجيش في الحياة السياسية، لاسيما في الدول التي تضم مؤسسات دستورية وديمقراطية ضعيفة. ولأن إنقلابًا واحدًا نجح في دولة أو دولتين دون عواقب جسيمة، فقد ولد هذا النجاح العسكري بالانقلاب على السلطة إحساسًا أوسع لدى العسكر في الدول المجاورة ودول أخرى حيث بدأوا بالتفكير في محاولات الانقلاب على الشرعية الديمقراطية تحت حجة الدفاع عن مصالح الشعب.

getty

  • هل تمثل هذه الانقلابات سياقًا موحدًا في المنطقة أم تختلف من بلد لآخر؟

لا أعتقد أن جميع هذه الانقلابات تمثل سياقًا موحدًا لأن كل انقلاب يتعلق بظروف محلية معينة. على سبيل المثال، في جمهورية مالي حصل انقلاب عام 2020 وقد نشأ من الإحباط ومن ضعف قيادة الرئيس السابق إبراهيم أبو بكر كيتا بسبب الأزمات الأمنية والاستياء من فساده وتلاعبه بنتائج الانتخابات البرلمانية. 

وفي مالي أيضًا، وقع الانقلاب الثاني في عام 2021 بسبب الميل الملحوظ للحكومة المؤقتة وقت ذلك تجاه فرنسا. وأما في جمهورية غينيا، فقد وقع الانقلاب عام 2021، كردة فعل على محاولات الرئيس السابق ألفاكوندي تغيير الدستور للحصول على ولاية رئاسية ثالثة.

وأمّا في جمهورية بوركينا فاسو، تجرأ العسكر على الإطاحة بالرئيس روش مارك كريستيان كابوري في شهر كانون الثاني/ يناير من العام 2022، وذلك على خلفية الغضب الملحوظ بين المواطنين بسبب الهجمات الإرهابية المتزايدة التي زعزعت استقرار أجزاء كبيرة من البلاد، مقابل شعور المواطنين بأن كابوري ضعيف في حكمه ولم يفعل ما يكفي لوضع حد لتلك الهجمات. بعدها، في شهر أيلول /سبتمبر من العام نفسه، شهدت بوركينا فاسو انقلابًا آخر، وذلك على خلفية شعور العسكر بأن قائدهم، بول هنري داميبا ومعاونيه، الذين قادوا الانقلاب الأول على الرئيس كابوري، قد استهوتهم متع السلطة مما أنساهم الوعد الرئيسي الذي قطعوه للمواطنين إبان الانقلاب الأول، الوعد المتمثل في محاربة الإرهابيين، بالإضافة إلى شعور جزء كبير من العسكر بأن قائدهم داميبا يميل نحو فرنسا، سيما وأن هناك شعور محلي معادي ضد فرنسا.

  • هذه الانقلابات كانت دائمًا تأتي مدعومةً بحركات مثل "إم 30" في بوركينا فاسو، والتي تحمل شعارات مناصرة لروسيا. ما هو ثقل هذه الحركة ومثيلاتها في دول القارة الأفريقية؟ وهل هذه الحركات قادرة على تغيير اللعبة السياسية هناك في دول كجمهورية النيجر مثلًا؟

 أعتقد أن هذه الحركات تعبر فقط عن شعور المواطنين. ولا أعتقد أن هذه الحركات يمكن لها أن تؤثر في الانقلابات إذا لم تكن مصحوبة بشعور عام مناهض لفرنسا وللاستعمار بشكلٍ عام. وبالتالي نجاح هذه الحركات مرهون بمدى ارتباطها بمشاعر المواطنين والنهج الوطني للوجود الفرنسي أم الروسي في البلاد.

  • سواء في الانقلابات أو الاحتجاجات المناوئة للوجود العسكري الفرنسي، لاحظنا حضور الأعلام الروسية وشعارات مناصرة لموسكو. هل أصبحت معاداة فرنسا في أفريقيا مقرونةً بالدخول في دائرة النفوذ الروسي؟

أعتقد أن معاداة فرنسا في أفريقيا ترتبط بعلاقة كل دولة على حدة مع روسيا أو فرنسا. لقد كان بين العديد من الدول الأفريقية وفرنسا علاقات طويلة دون أي نتائج إيجابية ملموسة. وبذلك يشعر مواطنو هذه الدول، كجمهورية مالي مثلًا، بأن وجود فرنسا على أراضيها يعقد الوضع الأمني. وبالنسبة للدول التي تحتاج لمكافحة الإرهاب وتثبيت الاستقرار سيكون من أولوياتها بالطبع التواصل مع شركاء جدد يمكنهم المساعدة. ففي مالي وبوركينا فاسو يُنظر إلى روسيا على أنها البديل المناسب في هذا الصدد، وبالتالي لا أعتقد أن معاداة فرنسا في القارة الأفريقية مقرونة بالضرورة في الدخول ضمن دائرة النفوذ الروسي.

getty

  • ماذا تريد روسيا من أفريقيا وما هي أوجه الاختلاف بين نفوذها والنفوذ الفرنسي؟

بالنسبة لطموح روسيا في أفريقيا وما تريده من أفريقيا، فبالطبع تريد ما تريده القوى الدولية الأخرى، مثل توطيد علاقاتها العسكرية مع مختلف الدول وضمان المصالح التجارية وتأمين مناطق الموارد الطبيعية الأخرى مما يعزز أهدافها الجيوسياسية والجيوستراتيجية. أوجه الاختلاف تكمن في أن روسيا تركز على توطيد علاقاتها مع القادة والحكام والنخبة الحاكمة، وكما أنها غالبًا ما تركز على الجانب العسكري الأمني، بينما القوى الأخرى غالبًا ما تركز على الجوانب الاقتصادية والإنسانية وما شابه ذلك.

  • كيف تعيد فرنسا ترتيب أوراقها في المنطقة، من الناحية السياسية والعسكرية؟

أعتقد أن لدى فرنسا في أفريقيا استراتيجيات كثيرة، وبالرغم من تصاعد الوجود الروسي، فإني أعتقد أنه لا يزال لفرنسا حلفاء كثر في القارة، كما أنه مهامها وقواعدها العسكرية لا تزال موجودة في دول مثل جيبوتي وتشاد والنيجر وغيرها من الدول. وهناك جهود فرنسية في الشهور الأخيرة لتعزيز علاقاتها مع دول غرب أفريقيا الأخرى مثل غانا وتوغو، وعليه لا تزال فرنسا قادرة على إعادة ترتيب أوراقها في أفريقيا عبر تلك الدول الحليفة لها وعبر الاستراتيجيات المختلفة لكونها قوة تعاملت وكانت موجودة في أفريقيا منذ فترات طويلة. لذلك، فرنسا تعرف أفريقيا أكثر من روسيا وغيرها من الدول الكبيرة.

  • مؤخرًا أعلنت مجموعة "إكواس"  (ECOWAS) عن إنشاء قوة عسكرية مشتركة، وضعت هدفها الأول مكافحة الانقلابات. هل هذا يدخل في إطار الاستراتيجية الفرنسية الأخيرة؟ وما هي إمكانية نجاحه؟

لم تكن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إكواس" بعيدةً عن فكرة إنشاء فرق حفظ السلام أو قوى مشتركة، ففي تسعينات القرن الماضي أطلقت المجموعة قوة اسمها "إيكوموغ" (ECOMOG) التي تدخلت في عدد من الدول غرب أفريقيا لاستعادة السلام والنظام. 

مما لا شك فيه أن نجاح المهمة الجديدة التي أعلنت عنها المجموعة سيكون صعبًا في رأيي، نظرًا للخلافات الكبيرة بين دول المجموعة، والانقسام الجاري حول موقف المجموعة من المجالس العسكرية في الدول التي شهدت الانقلابات مثل مالي وبوركينا فاسو وغينيا. أيضًا ثمة سؤال يتعلق بكيفية تعامل الأكواس مع مختلف الإدارات الحالية في دول مختلفة والتي انتهكت دساتيرها الوطنية من أجل تمديد فترة ولاية الرئيس شاغل الوظيفة، بينما كان رئيس هذه الإدارة والحكومة يحضر مع رؤساء آخرين في الأكواس اجتماعات مختلفة، فكيف ستتعامل المجموعة مع مثل هؤلاء الرؤساء. هذا مع الإشارة إلى أن بعض الانقلابات العسكرية غالبًا ما تأتي نتيجة للطلب الشعبي حيث يعتبرها مواطنو بعض الدول الفرصة الوحيدة للبدء من جديد بعد سلسلة من الاخفاقات، وأعتقد أن هذه حالة جمهورية مالي في الانقلاب الأول الذي حصل فيها.

أعتقد أن لدى فرنسا في أفريقيا استراتيجيات كثيرة، وبالرغم من تصاعد الوجود الروسي، فإني أعتقد أنه لا يزال لفرنسا حلفاء كثر في القارة

  • غير فرنسا وروسيا، هل توجد قوى دولية أخرى داخل في معادلة التنافس على الساحل وأفريقيا جنوب الصحراء؟ وما هي الأدوار التي تسعى هذه الدول إلى لعبها؟

لا تزال العديد من الجهات الغربية الفاعلة نشطة في الساحل وتشارك في أمن المنطقة. الدول الأخرى التي لديها علاقات ودية أو استثنائية مع دول الساحل تشمل الصين وتركيا ودول الخليج ولها علاقات تجارية وتقدم الدعم المالي وتساهم في تطوير البنية التحتية والتفاعل الثقافي، هذه هي الأدوار التي تقوم بها. بالطبع الدول الأوروبية لا تزال نشطة ولديها مهام عسكرية في النيجر مثلًا وهي دول ليست غائبة عن الساحة حتى وإن كانت أدوارها خفية أو سرية.